ولكن ما ساعد على إنقاذ الأمل في تونس هو التكاتف غير المسبوق لمنظمات من المجتمع المدني أشرفت على حوار وطني، ورسمت طريقًا نحو السلام والمصالحة.

واليوم، حصل الرباعي التونسي على جائزة نوبل للسلام، ما يُعتبر اعترافًا مستحقًا بالدور المحوري الذي لعبته المنظمات في توجيه الزخم الثوري الذي تشهده البلاد نحو مجتمع تحترم فيه الحقوق، وفي ذلك رسالة أمل مستحقة لمنطقة ترزح تحت وطأة العنف.قام الرباعي الذي تشكل في صيف 2013، والذي يتكوّن من أربع منظمات من المجتمع المدني ـ هي الاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ـ بهندسة ما يُعرف بـ “الحوار الوطني”. مكّن هذا المسار من جمع أطراف سياسية متعادية إلى طاولة الحوار، ورسم مسارًا ديمقراطيًا جديدًا في البلاد. قامت المنظمات بذلك في خضم أزمة سياسية خطيرة تميزت بالاغتيالات السياسية والفوضى. في ذلك الوقت، كانت البلاد التي انطلق منها “الربيع العربي” على حافة الحرب الأهلية.

غير أن الرباعي، ومعه الأحزاب السياسية التي شاركت في المسار، اختاروا طريق الحوار والحلول السلمية بدل العنف. وبعد أشهر من الجهود المضنية، وعقد جولات من الحوار، تم تبني دستور جديد يحترم الحقوق، بما في ذلك معظم معايير حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، وتشكلت حكومة انتقالية جديدة، وأجريت بعد ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية.

إن رسالة الأمل والحقوق التي تنطوي عليها جائزة نوبل المستحقة تتجاوز تونس، وتؤكد على قيمة الحوار بحلّ ممكن وقابل للتطبيق بدل إراقة الدماء التي تجتاح المنطقة. وستساعد هذه الرسالة على تعزيز دور المجتمع المدني في المسار الديمقراطي السائر قدُمًا في تونس.

مازالت توجد عديد التحديات أمام تونس التي تواجه مشاكل أمنية واقتصادية متصاعدة. ولكن جائزة نوبل أعادت بريق الأمل في رسالة الحرية والكرامة التي تحملها الانتفاضات العربية، والتي كانت تونس منطلقها الأول. ولكن يجب أن لا تغطي هذه الجائزة المشاكل الأساسية التي يواجهها بلد لم ينته من إصلاح منظومته الأمنية والقضائية، ويعتمد على سياسة في مكافحة الإرهاب تتخللها انتهاكات لحقوق الإنسان. ولذلك يجب تدعيم “المجتمع المدني النابض  بالحياة في تونس والمطالب باحترام حقوق الإنسان الأساسية”، كما جاء في خطاب لجنة جائزة نوبل، من أجل تحقيق هذه الوعود.