ايماناً منها بأهمية القراءة قامت الدكتورة رنا الدجاني بإنشاء منظمة “نحن نحب القراءة” كخطوة أولى نحو مجتمع أفضل صحيا و فكريا و اقتصاديا. تهدف المنظمة إلى ترسيخ حب القراءة في نفوس اللأطفال عن طريق انشاء مكتبة في كل حي و تشجيع مفهوم القراءة المسموعة التي تلاشت من المجتمعات العربية بعد أن كانت جزءا من حياة كل طالب للعلم أو للتسلية. تزاوج المؤسسة بين تشجيع الأطفال على حب القراءة وبين تأهيل سيدات الحي ليكن فاعلات في المجتمع. تشجع المؤسسة المستفيدين من هذا البرنامج إلى استمرار العطاء عن طريق تعليم آخرين و ترسيخ مبدأ تتابع العطاء بحيث يطلب من كل مستفيد أن ينقل المهارات التي استفادها لغيره
د.الدجاني مستشارة للمجلس الأعلى للعلوم و التكنولوجيا في الأردن، و مستشارة في مجلس الأمم المتحدة للمرأة في الأردن ، و استشارية إصلاح التعليم العالي في الأردن و خبيرة استشاري التعليم للبنك الإسلامي للتنمية في المملكة العربية السعودية. وقد تم اختيارها كواحدة من عشرين امرأة عالمة الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي لعام 2014 من قبل مجلة MuslimScience الصادرة من بريطانيا. وقد احتلت المرتبة الثالثة عشر في قائمة اقوى المديرات التنفيذيات العرب ، واختيرت احدى اقوى 100شخصية عربية في فئة العباقرة من قبل مجلة الأعمال العربية لعام 2014. و تم اختيارها ايضاً كواحدة من الخيرين المئة لعام 2014 من قبل مجلة GOOD 100
تطمح د. الدجاني إلى جعل الجميع شغوفين بما يعملون وإلى اشراك الجميع في تحمل المسؤولية، و قد قامت بتدريب آلاف الطلاب ليتخطوا التوقعات و يستغلوا امكانياتهم لأقصى الحدود.
د. الدجاني هي مؤسسة و مديرة ” نحن نحب القراءة” و هو نموذج منطلق من المجتمع. و هو مشروع عزيز على قلب د. ديجاني، فعندما سئلت عن الشرارة الأولى و السبب في انطلاق هذه الفكرة، اجابت ” بعد عودتي من أمريكا إلى الأردن لاحظت انا و زوجي و أولادي أن الناس في بلدي لا يقرأون و أردنا معرفة السبب، و عندما أقول لا يقرأون أقصد القراءة للمتعة خارج نطاق العمل و الدراسة و القراءة الدينية فالمجتمع الأردني مجتمع متعلم تندر فيه الأمية. ما نفتقده هنا هو القراءة من أجل المتعة. تقول الإحصاءات عن العالم العربي بأن معدل القراءة هو ستة دقائق في السنة أو ما يعادل نصف صفحة. و لذلك قدمت بالبحث في أسباب عزوف الناس عن القراءة و توصلنا إلى أن السبب هو أن الأطفال هنا لا يقرأ لهم و هم في سن مبكرة. ابتداء من اثناء وجودهم في رحم أمهاتهم. فقد أثبتت الأبحاث أنه عندما يقرأ لك كفل يتم بناء حب القراءة عن طرق الربط بين القراءة والراحة والأمان النابع من التقارب بين الأهل و الطفل، و بما أن القراءة للأطفال ليست جزء من ثقافة المجتمع و بما أني لا استطيع تدريب كل الآباء و الأمهات للقراءة بصوت عالي لأبنائهم. و لشعوري بالمسؤولية تجاه مجتمعي و لأنه المعرفة التي اكتسبتها تحملني مسؤولية أكبر، فقد قال الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام ” كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته” و كما قال غاندي ” كن التغيير الذي تريد أن تراه في العالم ” لذلك قررت مع زوجي و أولادي أن نجمع الأطفال في حينا و أن نقرأ لهم بصوته عال، و هذا أقل ما يمكن القيام به. أردنا أن نجمع الأطفال في مكان عام فمنزلي ليس خياراً عملياً. و كان المسجد أنسب مكان فهو في كل حي و مفتوح للجميع آمن ونظيف و مجهز. تحدثت مع الإمام و قلت له بأني أريد أن اقرأ للأطفال كل سبت فرحب بالفكرة و اعلنا لأهالي الحي بعد صلاة الجمعة و ذلك في عام 2006. حضر في اليوم التالي 25 طفلاً، بطبيعة الحال كانوا مجبرين من قبل أهلهم. ارتديت قبعة مضحكة و استخدمت الدمى و كنت اقرأ لهم بأصوات مختلفة لأجعل القراءة أكثر متعة. أحب الأطفال ذلك و في الأسبوع التالي كان الأطفال مستيقظين في وقت مبكر و يطلبون من أهلهم أخذه للمسجد. و هذه كانت البداية”
تتمتع د. الدجاني بحس عال من المسؤولية و هو سبب رئيسي في نجاح و استمرار مشروع ” نحن نحب القراءة” تضيف د. ديجاني “عندما بدأت لأول مرة قال الكثير من الناس بأن هذا مستحيل، من تظنين نفسك؟! لا يمكنك تغيير الأطفال من خلال القراءة لهم مرة واحدة في الأسبوع. و لكننا أثبتنا خطأهم، و لكن كل تغيير يحتاج إلى وقت. و كما قيل قليل دائم خير من كثير منقطع. و كما قال صلى الله عليه و سلم ” لا تحقرن من المعروف شيئاً”. و الآن انتشر “نحن نحب القراءة” في عدة دول في العالم. من بداية صغيرة من مسجد في حي واحد في عمان، الأردن . شعوري بالمسؤولية و يقيني بإمكانية تحقيق هذا المشروع هو ما دفعني للاستمرار. و شعوري أيضا بأني إن لم أقوم بذلك ربما لن يقوم به أحد آخر. نجاح هذا المشروع دليل على أنك إذا آمنت بالشيء بشكل كافي سيتحقق و أن لا شيء مستحيل. و أن المتخاذلين فقط هم من يرددون ذلك و يتخذونه كذريعة”
و تؤكد د. الدجاني على أن هذا المشروع لا يقتصر فقط على زرع حب القراءة في الأطفال فتقول” نريدهم أن يقرأوا لذاتهم و ليس لأن غيرهم اجبرهم ، جزء من هذا النموذج يركز على بناء شخصية الطفل و أنه يستطيع التحكم بمجرى حياته و تغيير نفسه، كما أن النموذج أسهم في بناء و تعزيز روح المجتمع من خلال تعارف الأهالي”
و تواصل د. الدجاني ” أول مجموعة من الكتب التي اشتريتها كانت في اللغة الأم، و كل بلد انتشر فيه هذا المشروع بدأوا بلغتهم الأم. حاولنا اختيار الكتب الملونة لجذب الأطفال. و تلك الكتب محايدة في المحتوى، لأننا نريد أن زرع حب القراءة بغض النظر عمن يكون الطفل . وبطبيعة الحال أنا من قام بشراء أول مجموعة من الكتب، و لكن بعد فترة كان الإمام سعيد جدا الابتعاد الأطفال عن الشوارع ، و أن الأهل لاحظوا تحسناً في مستوى أبنائهم الدراسي، و أنهم كانوا أكثر ثقة و زاد مستوى انتباههم لمعلميهم . لذلك بدأ المسجد مع أولياء الأمور في التبرع بالمال لشراء الكتب ، لإثراء المكتبة. بالطبع نحن نسميها مكتبة ، ولكن هو مكان يتم فيه قراءة الكتب بصوت عال للأطفال ، انها ليست المكتبة النمطية من مباني و رفوف و كتب و لكنها تتركز على حب القراءة”.
. نظراً لأهمية استدامة أي مشروع حرصت د. الدجاني على بناء روح الملكية الفردية لهذا المشروع من قبل كل المتطوعين ، تشرح د. ديجاني ذلك بقولها:” هذا النموذج يحافظ على ديمومته لأنه منبثق من الحي وليس شخص قادم من الخارج مع مشروع وخطة. القائم على المشروع هو شخص ما من الحي، موثوق به، مثل أحد الأقارب أو الجيران، و يحصل على كل الفضل فلا أحد يعرف عني ، فيصبح كل متطوع لإنشاء مكتبة في حيه للقراءة بصوت عالِ هو صاحب المشروع و يهتم به بشكل شخصي”
خطوة صغيرة ولكن ثابتة في الاتجاه الصحيح هو كل ما أردت القيام به د. الدجاني ي وقالت ” الأطفال الآن يصطفون حتى يأخذون الكتب معهم للمنزل بعد أن ننتهي من القراءة ، لذلك نحن حقا لا نحتاج إلى رف للحفاظ على الكتب و لا نضطر لأن نقفل عليها بل تبقى معهم حتى إعادتها في الأسبوع التالي. فتترسخ في الطفل حب القراءة من خلال قراءته للكتاب لبقية أشقائه في المنزل و من خلال تبادل الأفكار و النصائح بشأن كتبهم المفضلة مع أصدقائهم ، و هذا يثبت أن الأطفال لا يختلفون ما يختلف هو ما يتعرضون له من تجارب فعند توفر البيئة المناسبة و تعريض الطفل للمؤثرات الإيجابية سينشأ محباً للقراءة مهما كانت خلفيته. هذا النموذج يركز على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4-10 ، لأن منهم أكبر من العاشرة يحتاجون لنوعية مختلفة من الكتب و طريقة اخرى في التعاطي لنستطيع زرع حب القراءة بالإضافة إلى صعوبة وضع الفتيات والفتيان معا في المسجد، أما الأطفال أقل من عمر الرابعة سنحتاج إلى اشراك و تعليم الأهل و تغيير الكبار بطبيعة الحال صعب”
بعيداً عن تلك البداية المتواضعة في مسجد حي د. الدجاني مع خمس و عشرين طفلاً بين الرابعة و العاشرة مجبرين من قبل الأهل للحضور أول مرة كما ذكرت د. الدجاني فتضيف “وهكذا في غضون ثلاث سنوات بدأ الناس يأتون إلي لأنهم لم يكونوا متعودين على القراءة بصوت عال خصوصاً خارج نطاق العائلة، الناس هنا كرماء و معطاؤن لكنهم يركزون على الأسرة و لم يسبق لهم القراءة بصوت عال لغير الأقارب، لذلك ، في عام 2008 ، حصلت على جائزة مالية من ” سينرجوس ” بعد أن تقدمت لمسابقة ” الابتكار الاجتماعي في العالم العربي” بفكرة مشروعي و بتلك الجائزة استطعت أن أبدأ في تدريب الناس كيف تقرأ بصوت عال و كيف تنشئ مكتبة في الحي، كان الحلم يتحقق بمساعدة و إلهام زوجي و أبنائي، فأنشأنا منظمة غير حكومية تسمى “التغيير” . في عام 2010 كان المشروع قد نمى بحيث قمنا بتدريب عدد كبير من الأفراد – اغلبهم نساء- بين سن 16 إلى سن 85 ، و جرى تشجيع هؤلاء المتدربين لتطبيق فكرة تتواصل و تتابع العطاء بحيث يقوم المتدرب بنقل مهاراته التي اكتسبها لغيره و هكذا . الموقع الإلكتروني الذي انشأناه ساعد على نشر هذا النموذج ، لدينا 300 مكتبة الآن في الأردن ، و انتشر المشروع في 15 بلدا في جميع أنحاء العالم. في تركيا على سبيل المثال هناك 40 مكتبة في اسطنبول فقط. هناك مكتبات في الرياض ، وماليزيا، و تايلاند ، وأذربيجان، و ألمانيا، وقطاع غزة. هناك مراسل صحفي من أوغندا قرأعن ” نحن نحب القراءة” وعاد إلى مسقط رأسه في أوغندا و بدأ في القراءة للأطفال و هناك انتشر كالنار في الهشيم من قرية إلى أخرى. تمت دعوتي إلى المكسيك كمتحدثة في مؤتمر حيث أن السكان الأصليين لا يرغبون في إرسال أبنائهم إلى المدرسة للحفاظ على هويتهم، لذلك عندما سمعوا عن “نحن نحب القراءة ” شعروا بأنه الحل لمشكلتهم بحيث يمكن كتابة قصص الفولكلور و قراءته للأطفال للحفاظ على هويتهم وتراثهم ، وفي الوقت نفسه ، يمكنهم إرسال أبنائهم باطمئنان إلى المدرسة. و الأعجب أنه تم الاتصال بي من امريكا في مناسبتين مختلفة، واحدة من مدينة نيويورك، و واحدة من أوربان، شامبين يطلبون مني مساعدتهم في تنفيذ هذا النموذج . سألت لماذا تحتاجون مساعدتي؟، لأنه في أمريكا ، الناس تقرأ، لكنهم اجابوا بأن متوسط القرأة أعلى من الدول العربية و لكن ذلك لا ينطبق على كل المجتمعات، وخاصة الجاليات المهاجرة ، أو أحياء الفقراء. لذلك بدأنا بأول جلسة قرأ بصوت عال في هافن بولاية كونيكتيكت . وهذا يثبت أن هجرة الأفكار ليست دائما في اتجاه واحد، فنحن بحاجة لاستعادة ثقتنا في العالم العربي خصوصا بعد الانفتاح الشديد و ثورة المعلومات. وقد أصبح هذا النموذج قاعدة لانطلاق برامج اخرى لرفع مستوى الوعي حول قضايا معينة . فقد قمنا بنشر اثني عشر كتاباً حول مكافحة رمي النفايات واستغلال الطاقة تمت قراءتها في جميع مكتباتنا في الأردن “.
في كتاب “الابتكار في التعليم” الذي نشرته مؤسسة قطر، و الذي درس ستة عشر مشروعا تعليميا من انحاء العالم ، و وصف الكتاب “نحن نحب القراءة” بالحركة. وقالت الدكتورة الدجاني “لأنها انتشرت من امرأة لامرأة من فرد إلى آخر. ولأنها ليست فقط عن الأطفال وزيادة مستوى قراءتهم بل أصبحت أيضا حول تمكين المرأة لأن معظم الناس ندرب من النساء. وهم الآن على يقومون بأدوار قيادية في أحيائهم وهذا أحدث تغييرا من الداخل. نحن نحب القراءة أصبحت إطارا لمساعدتهم على اكتشاف الكيفية التي يمكن أن يساعدوا مجتمعاتهم بدءا من أسرهم ومن ثم الأبعد فالأبعد”.
وأضافت د. الدجاني “نحن في الواقع نعمل الآن مع جامعة شيكاغو لدراسة كيفية تأثيرالقراءة على تغيير مستوى التعاطف والإيثار لدى الأطفال”
واحدة من أهم الأمور التي تم تحقيقها من خلال ” نحن نحب القراءة ” هو أن معظم القائمين عليه هم من النساء اللذين زاد احترامهم لذاتهم واكتسبوا احترام مجتمعهم ايضا ، و اصبح ينظر لهم كقادة فاعلين في مجتمعهم ، ولا سيما النساء من مخيمات اللاجئين الذين قالوا أن الرجال في حيهم يقومون بتشجيعهم. و أن المساجد ترحب و تشجع النساء على إدارة هذا المشروع و تعطيهم الحرية في اتخاذ القرارات”.